﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾
( سورة الكهف الآية: 18 )
قد لا ننتبه إلى أن في هذه الكلمات الخمس إعجازاً علمياً يفوق حد الخيال،
قال بعض الأطباء: إن من الأمراض الخطيرة التي يعاني منها المرضى في المشافي
قرحة السرير اسم المرض قرحة السرير، فالمرضى الذين تضطرهم أمراضهم إلى
البقاء طويلاً على السرير ككسر في الحوض مثلاً، وككسر في العمود الفقري،
وكالشلل، وفي حالات السبات الطويلة، هذه الحالات المرضية تستوجب أن يبقى
المريض مستلقياً على ظهره أياماً، بل شهوراً، إن من مضاعفات هذا الاستلقاء
مرضاً خطيراً اسمه قرحة السرير، الآن لا بد من دقة في الشرح:
الإنسان له وزن كلي، لكن إذا استلقى على السرير هيكله العظمي مع ما فوقه من
عضلات وأنسجة لها وزن، يضغط على القسم الذي تحت الهيكل العظمي، وإذا ضغطت
العضلات والنسج ما الذي يحصل ؟ الأوعية الدموية التي في هذه العضلات،
والنسج تضيق لمعتها، فإذا ضاقت لمعتها قل الدم الذي يجري فيها، فالإنسان
مثلاً إذا جلس على ركبتيه لمدة طويلة يشعر أن هناك خدراً في أرجله، يسميه
العامة اخضرارا، أو تنميلا، هذا الخدر الذي في رجله، بسبب ضيق لمعة الأوعية
الدموية التي بسبب وزنه على رجليه إذا قعد عليهما مدة طويلة، إذاً الهيكل
العظمي مع ما فوقه من عضلات ونسج يتغط على ما تحت الهيكل العظمي من عضلات
ونسج، فإذا بالأوعية الدموية التي في القسم السفلي تنضغط، وتضيق لمعتها،
ويصاب الإنسان بما يشبه الخدر، فيأتي تنبيه إلى الدماغ.
الآن هنا الدقة، الله جل جلاله لحكمة بالغةٍ بالغة جعل في كل أنحاء الجسم
مراكز ضغط، هذه المراكز تتحسس الضغط، فإذا ضغط الجسم الذي تحت الهيكل
العظمي أعطى إشارات إلى الدماغ، الدماغ ماذا يفعل ؟ وأنت نائم، وأنت غارق
في النوم، يعطي أمراً لهذا الجسم كي يتقلب على طرفه الآخر، بهذا التقلب
يستريح قسم من الضغط، ومن ضيق لمعة الأوعية وينشط جسم آخر، قال تعالى:
﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾
فيما قرأت مرةً وضعوا آلة تصوير أمام إنسان نائم فصورت تقلباته في الليل،
فكانت تقلباته تقترب من 38 مرة، فكل إنسان نام تقلب من جنب إلى جنب، لأن
هذا التقلب يريح قسماً من عضلاته التي ضغطت بفعل وزنه وينشط قسماً آخر، لكن
اللطيف في الموضوع أن الله عز وجل كما قال: } وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ
الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ {، لو قلبهم في جهة واحدة لوقعنا من على
السرير، نبقى على السرير، لأن التقلب ذات اليمين وذات الشمال.
الآن المرضى الذين لا بد من أن يبقوا على السرير مدةً طويلة تزيد على بضعة
أشهر لا بد من تقليبهم باليد، وإلا تقرحت أجسامهم، وأنا أسمع من حين إلى
آخر أن المريض إذا أهمل، وكان مستلقياً لمدة طويلة يكاد لحمه يتسلخ،
ويتقرح، وقد يموت الإنسان بسبب هذا المرض.
فلولا أن الله قلب أهل الكهف، قلبهم ذات اليمين وذات الشمال لما بقوا 300
عام، إذاً هذه آية من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، لولا هذا
التقليب لما بقي هذا الجسم يتلقى إمداداته من الدم بأوعية واسعة، بل لمات
من مرض خطير اسمه قرحة السرير.
سمعت أن هناك أَسِرّة تهتز بشكل دائم بفعل محرك كهربائي من أجل أن تقي المريض قرحة السرير، إذاً في قوله تعالى:
﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾
، إعجاز علمي، لولا تقلب أهل الكهف ذات اليمين وذات الشمال لما كان لهذا الجسم أن يبقى 300 عام.
أستاذ عبد الحليم، هذا الموضوع يذكرني بموضوع آخر، الإنسان نائم، غارق في
النوم، غدده اللعابية تفرز اللعاب، فإذا كثر اللعاب في الفم ما الذي يحصل ؟
تذهب إشارة إلى الدماغ أن هذا اللعاب قد كثر، فيأتي أمر فيغلق القصبة
الهوائية عن طريق لسان المزمار، ويفتح المريء إلى المعدة، ويبلع هذا النائم
لعابه إلى معدته، ويعود الطريق مغلقاً إلى المعدة مفتوحاً إلى الرئتين،
هذا كله يتم وأنت نائم، فعناية الله عز وجل تصحب الإنسان في نومه ودون أن
يشعر، بل إن هذا الموضوع يذكرني بموضوع ثالث، هو أن الله سبحانه وتعالى جعل
بعض الأجهزة النبيلة الخطيرة تعمل آلياً من دون إرادة الإنسان، منها نبض
القلب، لو أن نبض القلب بيد الإنسان فأيّ إنسان يستطيع أن يميت نفسه في
ثانية، أو في ثوانٍ عدة، لكن هذا التنفس الذي يتم آلياً عن طريق مركز تنبه
في البصلة السيسائية، يعطي الرئتين أمراً بالوجيب، هذا المركز لولا أن هناك
مركزًا آليًّا فالإنسان أمام خيار صعب، إما أن ينام فيموت، وإما أن يبقى
طوال الليل ساعياً لإجراء التنفس الإرادي، فهذا من نعمة الله الكبرى، أن
بعض الأجهزة النبيلة والأعضاء النبيلة تتحرك آلياً، وأنت نائم، ودون أن
تشعر.
ولكم مني اجمل التحيات